مقالات

” الغزو مستمر”

” الغزو مستمر”

في القرن الرابع الميلادي كان الامبراطور
الروماني جوليان في الطريق الى بابل،
لكنه توقف قليلاً للصلاة في معبد بابلي
قرب سامراء ، تمارا، وهناك سقط قتيلاً بسهم قاتل.

تاريخ الغزوات ليس جديداً،
من الشرق والغرب والغزو مستمر حتى اليوم،
لكن لماذا حشر العراقي في خانة الدفاع عن النفس،
ونسي نفسه؟

لو طلبت من أي عراقي وصف أحاسيسه العميقة،
لوجد مشقة لأنه يعيش في انفصال عن ذاته،
لكن لو طلبت منه وصف المظاهر الخارجية لوصفها بدقة.
هو كائن يعيش في الخارج أكثر مما يعيش مع ذاته،
تربى على أن” الذات” مكمن الشيطان.

هناك دائما عدو خارجي ومواجهة خارجية،
ولم تتم مرة واحدة في التاريخ مراجعة حقيقية للعقل،
وكل أنواع المراجعات سطحية وبائسة لا تتناول جوهر
وتفكير العقل وفحص أدواته،
بل تتناول ظواهر خارجية وعندما نتكلم عن العقل لا نعني
المادة العضوية بل المحتوى الثقافي،
حتى الأحزاب السياسية الشمولية لم تقم يوما بمراجعة العقل السياسي
الرث ونقده بطريقة علمية واضحة وجريئة
ودائماً ترحل الكوارث على أشباح،
وصار المكتب السياسي نسخة طبق الأصل من المضيف،
وتحول السكرتير العام الى شيخ قبيلة.

منذ منتصف القرن الماضي بصورة خاصة وحتى اليوم،
والعراق مشتبك مع قوى خارجية إما بسبب أطماع إقتصادية
أو أحقاد سياسية أو مذهبية من الجيران ودول كبرى،
أو من قوى محلية تتصارع فيما بينها على السلطة،
وتسيّد العقل السياسي الرث والصبياني على مصائر الناس،
وتحولت كلمة نصر الى سحق عدو خارجي أو داخلي،
ورغم كل الويلات والمهالك والكوارث لم تتم مراجعة نقدية
حقيقية لهذا العقل وقد تكون محاولة علي الوردي المحاولة اليتيمة،
وقد تعرض في الخمسينات إلى خمس فتاوى قتل بسبب كتابه
وعاظ السلاطين.

كل دول العالم تجري مراجعات تاريخية للعقل السائد،
والحداثة الغربية تأسست على مفاهيم النقد والمغامرة والحساسية
والتجاوز والقطيعة،
ونحن نعتبر هذه الخواص من الأمراض أو الانحرافات:
مقابل مفهوم النقد ـــ عندنا مفهوم وحدة الجماعة،
وهي وحدة بوليسية فيما يتعلق بالافكار.

مقابل المغامرة الفكرية ـــ مفهوم الطاعة القهري والاستسلام القدري.
مقابل الحساسية والرهافة ـــ نتباهى بالجلافة والخشونة والمراجل
مع أن الرهافة لا تتقاطع مع الشجاعة بل هي شجاعة وجمال وبراءة.

مقابل فكرة التجاوز ـــ عندنا فكرة الثبات الفكري،
والثبات الفكري اليوم هراء لأن الأفكار نسبية قد تكون صحيحة اليوم
وخاطئة غداً.

مقابل مفهوم القطيعة المعرفية مع الماضي ـــ مفهوم العودة للسلف الصالح،
مع أن مفهوم القطيعة لا يعني الإنفصال بل التصفية.

يمكن بكل بساطة مقارنة مفاهيم وأسس الحداثة في العالم،
مع مفاهيم وأسس التخلف عندنا،
وعندها سنكتشف أن الغزو الحقيقي هو من داخل الذات،
وهو السبب الحقيقي لغزاة الخارج،
والدليل على ذلك الترويج المخجل لوضع العراق تحت
الوصاية الدولية لأن هؤلاء بلا وعي يعتقدون
أننا شعب” قاصر” يحتاج الى رعاية وحضانة.

حمزة الحسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى